فإذا هوي القلب بقلم منال سالم الجزء الأول
بارتباك قليل متجنبة على قدر المستطاع النظر في اتجاه تلك الوقحة
خير يا أستاذ أسامة
رمقها الأستاذ أسامة بنظرات ذات مغزى وهو يجيبها بهدوء حذر
المدام ليها شكوى وعاوزينك تحليها!
اعترضت على إقحامه لها في مشكلة لا تخصها بالإجبار قائلة بإنزعاج من توريطها
قاطعها متنحنحا بحرج
أنا عارف بس حضرتك هاتعرفي تتفاهمي معاها كويس إنتو ستات زي بعض! فاهمني طبعا
هو أراد تدخلها في إيجاد حل سريع لمشكلتها قبل أن تتفاقم وتتهور الأمور مع تلك السيدة إلى شيء لا يحمد عقباه شيء
يخجل من مجرد تصوره في عقله وفكرة تعامل معلمة أنثى معها أفضل بكثير من تدخل أي رجل لحلها خاصة أن الأخصائي الإجتماعي بالمدرسة رجل وربما لا يستطيع السيطرة عليها فهي لديها استعداد لفعل الأسوأ.
ايه المصېبة اللي حشرتني فيها دي يا أستاذ أسامة هو أنا ناقصة أعلق مع واحدة زي دي
أفاقت بسمة من صمتها الإجباري على صوت السيدة الصائح بسخط
ها يا أبلة هتشوفيلي حل ولا هتفضلي متنحة كده كتير!!!
اضطربت بسمة قليلا من طريقتها قائلة بتوجس
أصدرت السيدة صوتا بفمها مستخفة بها وهي تقول
أما أشوف!
ثم سارت الاثنتان معا نحو غرفة مكتب مدير المدرسة للحديث هناك...
لاحقا في المساء
حبست أسيف نفسها في غرفة بسمة رافضة الخروج منها أو تناول الطعام أو مشاركة أي أحد في الحديث.
واحترمت عمتها عواطف رغبتها تلك في الإنفراد بنفسها ولم تضغط عليها كثيرا.
ظلت حقائب السفر موضوعة أمامها ولم تجرؤ هي على الاقتراب منهم أو حتى فتحهم. فهي تخشى أن ټنهار مرة أخرى إن رأت متعلقات والدتها.
يكفيها ما مرت به من وضع مخجل أمام الجميع فتسمع بأذنيها تعليقات جارحة مسيئة لشخصها.
تمددت على الفراش وانكمشت على نفسها مكورة ساقيها إلى صدرها ودفنت رأسها في الوسادة باكية بلا توقف.
همست لنفسها بصوت مخڼوق للغاية
ليه سبتوني لوحدي ليه مامتش معاكو أنا ماليش حد يحبني بعدكم!
هدهدت نيرمين رضيعتها رنا بعد أن أطعمتها حتى تأكدت من نومها فأسندتها برفق على الفراش ثم دثرتها بغطاءها وخرجت من الغرفة.
كانت والدتها مشغولة بإحضار أواني الطعام من المطبخ فقامت هي برص الصحون على الطاولة.
ولجت عواطف لداخل غرفة بسمة لتدعو أسيف لتناول العشاء معهن لكنها أصرت على رفضها وأثرت النوم.
خرجت هي من الغرفة وعلى وجهها تعابير حزينة.
سئمت نيرمين من معاملة والدتها اللينة لها وضجرت من ذلك الاهتمام الزائد بها فالأمر لا يستحق كل هذا هي ليست الوحيدة في العالم التي فقدت عائلتها.
رمقت هي أمها نيرمين بنظرات حادة متسائلة بحنق بائن
برضوه مش عاوزة تاكل
ردت عليها أمها بضيق
لأ من وقت ما سممتي بدنها بالكلمتين بتوعك وهي حابسة نفسها جوا!
قطبت نيرمين جبينها بشدة وصاحت معترضة رافعة حاجبها الأيسر بإستنكار
الله يا ماما انتي عاوزة الراجل يقول عننا كلمة بطالة!
عنفتها عواطف من طريقتها المتسرعة في الحكم على الأخرين مرددة
بطلي أفكارك دي يا ساتر عليكي!
انضمت إليهما بسمة جالسة على مقعدها المعتاد بالطاولة وهتفت قائلة بجدية وهي تضع بعض الطعام بالملعقة الكبيرة في صحنها الفارغ
ماما انتي شوفي حل وخلي أسيف تنام معاكي أنا عاوزة أرجع أوضتي تاني!
ردت عليها عواطف بتنهيدة
ربنا يسهل كام يوم كده تكون راقت وهاخليها تنام معايا!
أضافت نيرمين هاتفة بوجه عابس متعمدة الإساءة إلى أسيف
دي نكدية وببوز طوله شبرين!
زفرت عواطف في وجهها قائلة بحدة
يا باي يا نيرمين على كلامك ده الملافظ سعد!
قاطعت بسمة حديثهما عن ابنة خالها قائلة بحماس عجيب
سيبك منها يا دلوقتي يا ماما النهاردة حصل عندنا في المدرسة حتت مشكلة بس بنتك طلعت جدعة وحلتها!
انتبهت الاثنتان لها فسردت لهما ما دار في مدرستها من تصرفات ولية الأمر المريبة والجريئة وكيف تمكنت هي من علاج الأزمة بحنكة وحكمة. فقد أقنعتها بأنها ستدعم ابنها لكي يحصل على أعلى المراتب والدرجات في كافة المواد وستتأكد من انضمامه لمسابقات المتفوقين وغيرها مما يفيده دراسيا ويجعله محبوبا أكثر لدى جميع المعلمين. وسيحصل على امتيازات
تؤهله للإلتحاق لاحقا بالمسابقات الرياضية والثقافية بالمدرسة
وعلى مضض كبير وافقت السيدة على عدم التمادي في الأمر وانهت المشاجرة موافقة على تلك الاقتراحات.
أبدت والدتها إعجابها قائلة بتشجيع
ناصحة يا بنت بطني!
بينما أضافت نيرمين ساخرة
أروبة ياختي!
ردت عليهما بسمة بغطرسة وهي تهز كتفيها في زهو
طبعا هو أنا أي كلام!
تساءلت نيرمين بعدم اقتناع وهي تدس الطعام في فمها
والست صدقت إنك هاتخلي ابنها يبقى رقم واحد في المدرسة
ردت عليها بسمة بثقة
ايوه!
ثم تابعت موضحة بجدية وقد عقدت ما بين حاجبيها
وبعدين الولد يستاهل هو شاطر وكويس بس أمه بيئة طحن! بجد مش شبهها خالص!!!
التوى ثغر نيرمين مرددة بسخرية
يدي الحلق للي بلى ودانه!
هتفت بسمة مضيفة بتباهي
بس انتي عارفة كده بقالي ضهر اتحمى فيه
ردت عليها نيرمين ساخرة
يا شيخة بايعة السمك دي هاتحميكي
أجابتها أختها مؤكدة بجدية
اه تخيلي دي واصلة وقادرة!
صاحت فيهما عواطف بعد أن ضجرت من ثرثرتهما الزائدة
كفايكو رغي وتعالوا ساعدوني في ترويق المطبخ!
ردت عليها بسمة متذمرة
مش أما نخلص أكل الأول!
التفتت نيرمين ناحية والدتها وسألتها بجدية وقد سلطت أنظارها عليها
صحيح يا ماما إنتي مش هاتكلمي المحروسة في موضوع بيع الدكان
تناست عواطف تلك المسألة رغما عنها وانشغل عقلها بما حدث لابنة أخيها.. ففغرت فمها مرددة
هه! الدكان!
استطردت نيرمين حديثها قائلة بصوت جاد ومحذر في آن واحد
احنا اتلهينا عنه بس مش عاوزين نخسر محبة سي منذر والحاج طه!
تنهدت عواطف بإرهاق وهي ترد عليها
مش وقته بعدين أبقى أكلمها!
ألحت عليها نيرمين هاتفة بنبرة ذات مغزى وهي تغمز لها بعينيها
حطيه بس في بالك خلينا نبيع ونستفيد وهي كمان هاتطلع من البيعة بقرشين حلوين يعني هاتكسب زينا ومش هتخسر!
بينما أضافت بسمة بحماس
اه وممكن نوضب البيت بالفلوس اللي هانخدها!
استدارت نيرمين برأسها نحوها وردت عليها
تصدقي صح عاوزين نركب بلاط جديد وتغير البوهية و....
قاطعتهما عواطف قائلة بتجهم
ربنا يسهل بطلوا لت في الموضوع ده خلوه يكمل على خير!
ثم حدقت أمامها بنظرات شاردة لتحدث نفسها بقلق
هو حد عارف ايه اللي ممكن يحصل بكرة.!!!!
عاد إلى منزله منهكا بعد يوم عمل أخر شاق ومرهق أوصد الباب خلفه واتجه إلى غرفته ليبدل ثيابه.
لكن كعادتها استقبلته والدته بترحابها الودود متسائلة
ايه الأخبار يا بني
أخذ منذر نفسا عميقا وزفره دفعة واحدة وهو يجيبها بصوت متعب
الحمدلله
اقتربت منه وربتت على ظهره وهي مبتسمة له.
نظر لها بغرابة متسائلا بجدية
شكلك عاوز يقول حاجة كده صح
سألته بغموض وقد زاد وميض عيناها
فكرت في اللي قوتلك عليه
قطب جبينه متسائلا بعدم فهم
ده اللي هو ايه
عقدت ما بين حاجبيها مندهشة من تناسيه للموضوع وهتفت بنزق وهي عابسة الوجه
تتجوز تاني بنت عواطف انت نسيت يا منذر
تشنجت تعابيره مرددا بعصبية قليلة
يا أماه أنا مش ناقص خانقة
وضعت يدها على طرف ذقنها مستنكرة عبارته الأخيرة وهي تقول
حد يقول على الجواز خانقة!
زفر بصوت مسموع قائلا بامتعاض
مش وقته يا أمي! انتي مش شايفة اللي احنا فيه!
تشكل على ثغرها ابتسامة بلهاء وهي تقول
ما أنا عارفة ومقدرة!
ثم تابعت قائلة بسذاجة
بس عاوزاك تتأكد يا حبيبي إن البت كويسة ومتربية وكمان بتخلف يعني هاتضمن تجيب منها عيال إن شاء الله!
انزعج هو من تلميحاتها الصريحة حول الإنجاب وتصلبت تعابير وجهه بشدة.
ثم زفر قائلا بحنق وقد قست نظراته
حاجة جليلة قفلي على الموضوع وخليني أشوف ورايا ايه!
تفهمت عدم رغبته في الحديث ورددت قائلة على مضض
براحتك يا بني!
ثم طرأ بعقلها شيء ما فتساءلت بفضول
ألا بالحق بنت أخو عواطف عاملة ايه
انتبه لسؤالها باهتمام عجيب وتجمدت نظراته نوعا ما ثم أولها ظهره متحاشيا النظر إليها وفرك ذقنه قائلا بهدوء
يعني من ده على ده
تحركت خلفه قائلة بجدية
أنا عاوزة أروح أعزيهم واسأل عليها!
رد عليها بثبات وهو يسحب ثيابه من خزانة ملابسه
براحتك بس خليها كمان يومين كده تكون البت راقت وفاقت من اللي هي فيه!
أثارت جملته الأخيرة إهتمامها فقد بدت غامضة نسبيا وسألته بفضول وهي تتفرس تعابير وجهه
هو حصلها حاجة
أجابها بغموض أكثر وهو يغلق ضلفة الخزانة
طيب لو عوزت حاجة نادي عليا
هز رأسه بالإيجاب مرددا
ماشي
وقفت أمام تلك الصورة الفوتغرافية القديمة محدقة مطولا في ملامح وجهها دارسة تفاصيله عن كثب.
برع المصور في تجسيد انعكاس شخصها.
لم تكن عزيزة تبتسم فعليا بل كانت التواءة شفتيها قاسېة..
رأت فيها شموخا كبرياؤها يبرز في رفعها لحاجبها الأيسر وتعاليها بإباء يبدو في علو طرف ذقنها وكأنها تتعمد إيصال رسالة تحذيرية خفية لكل من ينظر إليها فلا يفكر يوما بالمساس بها.
تأملت عيناها القاسيتان بحزن بادي عليها مخرجة تنهيدة عميقة من رئتيها.
مسحت بيدها المجعدة على الإطار مزيحة أثار التراب العالق به ثم تنهدت مجددا قائلة لنفسها بإستياء
ربنا يسامح يا أمي بناتي مخدوش منك إلا القسۏة والظلم! يا ريتهم طلعولي ولا طلعوا لأخويا كان.. كان زمانت حالهم بقى أفضل
أخفضت رأسها متابعة بحزن
ربنا عليه جبر الخواطر!
حدقت في سقفية الغرفة بشرود تام فقد سيطرت هيبته على عقلها.
قامت بلف خصلات شعرها المنسدلة على الوسادة بإصبعها وتنهدت بحرارة ما.
مالت بجسدها للجانب محدثة نفسها بتمني
يا سلام لو كنت أتجوزت واحد زيك!
ثم اكفهر وجهها وهي تضيف بسخط كبير
مش بدل الشبشب اللي اتحسب عليا!
لكزتها
بسمة في ساقها قائلة بصوت ناعس للغاية
اتاخري شوية يا نيرمين أنا مش عارفة أنام
ردت عليها أختها بتذمر
يعني أقع على الأرض عشان ترتاحي
زفرت بصوت مسموع هامسة بنبرتها الثقيلة
يوووه أنا عندي شغل بدري فخليني أنعس
طيب.. طيب
قالتها نيرمين على مضض كبير وهي تغمض عيناها لتحتفظ بصورته في مخيلتها متعشمة أن تراه في أحلامها الوردية.
بعد مرور يومين
انتهت العاملة زهرة بالفندق المتواضع من التوقيع على ورقة استقالتها وقدمتها إلى مسئولي الإدارة ثم استلمت بعدها مستحقاتها المادية نظير عملها الفترة الماضية به.
سألتها زميلتها بحزن عن سبب تركها للعمل
ليه بس سبتي الشغل
ردت عليها زهرة بضيق مصطنع
مضطرية ياختي مقصرة مع العيال وأبوهم مش ملاحق يسد مكاني! وحلف بالطلاق لو ما أعدت من الشغل ليهرميني في الشارع أنا والعيال! يرضيكي بيتي يتخرب!
لم تقتنع بحجتها الزائفة وأضافت بعتاب
ما انتي كنتي أولى بالفلوس اللي بتطلعك والبقشيش كانوا بينفعوكي وزيادة!
تنهدت قائلة بفتور
تتعوض بقى هاشوف حاجة أعملها وأنا أعدة في البيت!
هزت رأسها قائلة بضجر
ربنا يعوضك!
احتضنتها زهرة وهي تودعها بابتسامة باهتة
يا رب أشوف وشك على خير!
ضمتها